قبل كل شئ يجب أن نعرّف ما معنى الفراسة وسبب ذلك أنه في الوقت الحاضر يستخدمها كثير من الناس وهم قد يعنون بها معاني مختلفة
فالفِراسة كما عرفت في لسان العرب: في النظر والتثبت والتأمل للشئ والبصر به يقال إنه (لفارس) بهذا الأمر إذا كان عالما به
وأما حديث (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) فقد ضعفه كثير من العلماء وبعضهم يصحح المعنى الوارد فيه
ولاشك أن الفراسة لها علاقة بتفسير الأحلام أو بالمعبر لكن العلماء ذكروا لها درجات وليست على مستوى واحد
فمن درجاتها:
الفراسة التي هي أشبه بالكرامة والخصيصة التي يعطيها الله سبحانه للأولياء من عباده وهي كانت في جيل الصحابة رضي الله عنهم مثل ما أوتي الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسماه النبي صلى الله عليه وسلم محدث هذه الأمة فهذا والله أعلم لايتكرر فهي فراسة نادرة وكذلك ما أوتي المفسر المشهور محمد بن سيرين فهذا يعد من كبار المحدثين (محدث من رواية الحديث)
وهذا شبيه بما لو قلنا أن في وقتنا الحاضر شاعر أوتي ملكة الشعر فمهما وصلت قوته في الشعر فلا يمكن أن يقارن بأصحاب المعلقات في الشعر ولا حتى بشعراء القرن الثاني والثالث فتلك الملكات لا يمكن أن تتكرر فكذلك فراسة تفسير الأحلام الشبيه بالصحابة وابن سيرين والمشهورين من السلف لا يمكن أن تتكرر والله أعلم.
ومن يصحح معنى الحديث في الفراسة يقول أن معناها ما يوقعه الله في قلوب أوليائه الصالحين فيعلمون أحوال بعض الناس بالظن الغالب وهي ناتجة عن نور اليقين الذي يقذفه الله في قلب عبده المؤمن فيفرق بين الحق والباطل والصادق والكاذب وسببها الإخلاص لله في القول والعمل وتزكية النفس بالاعمال الصالحة
وهي مصداق الحديث القدسي الذي يقول الله تعالى فيه (...كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به...) الحديث ولكن هذه الفراسة مصاحبة للصالحين وأهل العلم والايمان
والنوع الأخير من الفراسة هو النوع الذي يحصل من الدلالات والتجارب ومعرفة اخلاق الناس وعاداتهم فيستدل بها المتفرس على أحوال الناس وتحصل أيضا بالتجربة والاستدلال وبالنظر لصفات الناس الخلقية بحيث يعرف المتفرس بالشخص شيئا باطنا غير ظاهر منه.
والنوع الأخير هو الذي ينطبق على واقعنا فيستطيع دارس التفسير ان يتعلمه لأنه مكتسب لكن ذكر ابن القيم كلاما فقال (والفراسة تتعلق بالنوعين بالنظر والكلام)
ومقصد كلامي هذا كله أن الفراسة بالنوع الأخير والذي يقول بها كثير من المعبرين في الوقت الحاضر إنما هي تتعلق بالاشياء المرئية أو المسموعة كما قال ابن القيم بمعنى انك تتفرس في شخص تراه أمامك يكلمك أو تسمع صوته ولكن اغلب التفسير الحادث في الانترنت لا ينطبق عليه هذا فلا ترى شخص ولا تسمع صوته وحتى لو حصل كما في الفضائيات يسمع صوت المتصل فحتى هذا لن يفيد كثيرا في تفسير الأحلام إنما هو أمر آخر غير هذا.
فمن يدعي انه يفسر بالفراسة عن طريق الانترنت كيف سيستخدم فراسته؟
هو حلم مكتوب فقط ومعلومات قليلة وقد يكون الحلم كتب خطأ مثلا غير ما يلقيه الشخص أمامك
فلو أردنا أن نفاضل بين العلم او الفراسة (وسنطلق هنا بدلا منها الذكاء لأنه أوضح في التعبير)ايهما أهم لقلنا كلها مهمة فلا يفيد العلم الشرعي لوحده من دون ذكاء في الربط بين رموز الرؤيا ولا يفيد أيضا الذكاء او الفراسة لوحدها من دون معرفة بالعلوم الشرعية والسبب أن تفسير الاحلام هو فرع من العلوم الشرعية.
وهناك أمر آخر قد لا يفطن إليه البعض وهو أن الأحلام لها درجات مختلفة في التعقيد فيتبع هذا أن التعبير له درجات مختلفة في التعقيد فقد يأتي شخص عنده موهبة فطرية أو فراسة فطرية فيفسر بعض الأحلام ويطلق عليه مفسر أحلام ولكنه لا يستطيع تفسير إلا الأحلام البسيطة أما المعقدة والتي لها ارتباط بالعلم الشرعي بلاشك لا يعرف تعبيرها أو يعبرها خطأ وهو يظن أنه صواب وعلى هذا أمثلة كثيرة.
والله أعلم
a
موضوع: معنى الفراسه 
الإثنين ديسمبر 28, 2009 12:32 pm
